أنباء الجامعة

 

 

علماء من المدينة المنورة يزورون الجامعة

ويبدون غاية إعجابهم بها، ويؤكدون أنهم شاهدوا فيها

من الجمع بين العلم والعمل ما لم يشاهدوه في مكان آخر

 

 

 

 

 

     في الليلة المُتَخَلِّلة بين الثلاثاء والأربعاء: 22-23/ربيع الثاني 1434هـ = 5-6/مارس 2013م وصل الجامعةَ كل من أصحاب الفضيلة: الدكتور محمد بن أحمد الخضيري مدير معهد المسجد النبوي، والشيخ عبد الله بن أحمد الخضيري معلم بوزارة التربية والتعليم، والشيخ عبد المجيد سليمان الرويلي مدرس التفسير والقراءات في المسجد النبوي الشريف، قادمين توًّا من مطار دهلي الدوليّ يصاحبهم أستاذان من أساتذة الجامعة، وهما الأستاذ محمد ساجد القاسمي والأستاذ محمد عارف جميل القاسمي.

     وقد وصلوا الجامعة بعد صلاة المغرب؛ حيث استقبلهم رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني ونائب رئيس الجامعة فضيلة الشيخ عبد الخالق السنبهلي وعدد من أساتذة الجامعة بمن فيهم كاتب هذه السطور نور عالم خليل الأميني رئيس تحرير المجلة والشيخ مجيب الله القاسمي والشيخ شوكت علي القاسمي.

     وبعد ما تناولوا الشأي بصحبة رئيس الجامعة، توجهوا إلى الجامع الكبير بالجامعة، المعروف بـ«جامع رشيد» الذي عقدت فيه حفلة ترحيب على شرفهم، حضرها جميع الطلاب ومعظم الأساتذة الكبار بالجامعة، يتقدمهم رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني ونائباه: الشيخ عبد الخالق السنبهلي والشيخ عبد الخالق المدراسي، وتَنَاوَلَ الكلمةَ أولاً فضيلة رئيس الجامعة الذي انتهز المناسبة ليسدي إلى الإخوة الطلاب نصائح غالية أفادتهم في العلم والدين والدعوة والحياة العملية التي تنتظرهم، كما عَرَّف إليهم مجملاً بالضيوف العرب الكرام.

     ثم تفضل من بين الضيوف فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن أحمد الخضيري، الذي ألقى كلمة ضافية أشاد فيها بالجامعة ومشايخها، وخدماتها الجليلة وإنجازاتها الواسعة في مجال التعليم والتربية، ولاسيما في مجال تعليم الكتاب والسنة وعلومهما من التفسير والفقه والحديث وما إلى ذلك. وقد صَرَّح أن الكلمات والألفاظ تَتَحَشْرَجُ في صدره من هيبة الموقف الذي يقفه؛ حيث يقف بين يدي العلماء والمشايخ والفقهاء والمحدثين وطلبة علوم الدين. ونصح الطلاب بالإخلاص في دراستهم وجميع أعمالهم حتى تكون مقبولة لدى الله تعالى ومثاباً عليها لديه. وقد أفاض في ذلك في ضوء الكتاب والسنة اللذين استشهد بهما كثيرًا في حديثه القيم المنسّق الذي بدا كأنه مكتوب مدوّن من ذي قبل، ممّا دلّ على أنه يملك قدرة الكلام وطرح الموادّ بأسلوب مرتّب مشوّق شهيّ سلس يجعل الحضور يتسمّرون ويصغون بحيث كأن على رؤوسهم الطير.

     ثم تفضّل الشيخ الأستاذ عبد المجيد سليمان الرويلي مدرس التفسير والقراءات في المسجد النبوي، فحمدالله تعالى وأثنى عليه وصلّى وسلّم على نبيه المصطفى ورسوله المجتبى وحبيبه المرتضى محمد- صلى الله عليه وسلم - ثم قال: إنّه ليس عنده ما كان عند الشيخ محمد بن أحمد الخضيري؛ لأنه لم يكن مستعدًّا للحديث في مثل هذا الحفل الضخم الكبير الذي يضمّ العلماء وطلبة العلم في مثل هذه الجامعة العريقة التي سمع عنها كثيرًا فجاء زائرًا إليها، متلقياً من علمائها، ومستفيدًا من حلقة العلم فيها.

     ثم ركّز على ما أسلفه الشيخ محمد بن أحمد الخضيري، وأضاف إلى ما قاله، قصصاً وحكايات وروايات، ومعاني جديدة جذبت المستمعين، واستقطبت اهتمامهم. وقد استعبرت عيناه وتَعَثَّرَ الكلامُ في حلقومه لدى ذكر ابن عباس رضي الله عنهما وقصته في سبيل طلب العلم؛ حيث كان يأتي ليطلّع ما عند زيد بن الثابت رضي الله عنه من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم - فكان يتأدّب معه، ولا يقرع الباب، وإنما يقيل ببابه، والرياح تسفي الرمال وتذرها على وجهه الجميل. وعندما يخرج زيد بن الثابت من بيته يقول هلاّ دعوتني إلى بيتك حتى آتيك، فيقول: «العلم يُؤْتَىٰ ولا يَأْتِي».

     وقد استمر الحفل الذي أداره الأخ الأستاذ محمد سلمان البجنوري القاسمي أستاذ بالجامعة، وترجم كلمتي الضيفين الموقرين إلى الأردية لعامة الحضور الذين لايفهمون العربية الأخ العزيز الأستاذ محمد عارف جميل القاسمي، واستمر الحفل إلى نحو الحادية عشرة ليلاً وانتهى بدعاء فضيلة رئيس الجامعة الشيخ المفتي أبوالقاسم النعماني حفظه الله الذي تحت رئاسته ورعايته انعقد ودار.

     ونثبت فيما يلي الانطباعات التي أبداها الضيوف الكرام من خلال تسجيلهم لها في سجل الانطباعات، كما نثبت الأبيات التي فاض بها خاطر فضيلة الشيخ عبد المجيد سليمان الرويلي تجاه ما رأى بأم عينيه في الجامعة العريقة من الحفاوة بالضيوف والإكرام لهم، ومن النشاطات العلميّة والتعليميّة و صلاح الطلاب والأساتذة وعكوفهم على العلم والعمل.

     وبالتالي نثبت كلمتي الضيوف الكرام في الحفل الكريم حتى يكون ذلك كله مادة للقارئ والمؤرخ والدارس:

*  *  *

رأيت في الجامعة ما يثلج الصدر ويقر العين

فضيلة الشيخ محمد أحمد الخضيري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

     فقد تشرفت بزيارة صرح عظيم من صروح العلم وعلم شامخ من أعلام الدعوة ومنارة مضيئة في سماء القارة الهندية بل في سماء العالم، إنها الجامعة الإسلامية دارالعلوم بديوبند. وذلك في يوم الثلاثاء: 22/4/1434هـ الموافق 5/3/2013م فرأيت فيها ما يثلج الصدر ويقر العين من تدريس القرآن الكريم وعلومه والسنة النبوية وأقسامها والفقه الإسلامي وأصوله وشاهدت فيها الجم الغفير من الطلاب الحريصين على العلم والمتمسكين بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

     وأحس أن هذه الجامعة وطلابها لهم الأثر الكبير على نشر العلم والدعوة في بلاد الهند اللذين هما طريقة الأنبياء ومنهجهم.

     أسأل الله لهم التوفيق والسداد... والله الموفق.

     وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                      مدير معهد المسجد النبوي

                      د. محمد بن أحمد الخضيري

                ليلة الأربعاء: 23/4/1434هـ

                              6/3/2013م

*  *  *

كانت زيارة الجامعة زيارة لم يسبق لي مثلها

فضيلة الشيخ عبد الله بن أحمد الخضيري

وفضيلة الشيخ عبد المجيد سليمان الرويلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه وسلم...

     وبعد:

     سعدت ورفاقي الدكتور الأخ محمد بن أحمد الخضيري، وزميلي الوفي الدكتور عبد المجيد سليمان الرويلي.. ليلة الأربعاء 23/4/1434هـ بزيارة مباركة للجامعة الإسلامية دارالعلوم ديوبند وكانت زيارة لم يسبق لي بمثلها؛ حيث الجهود الكبيرة والنماذج الواضحة التي لا يمكن للزائر إلا أن يقف إكبارًا لتلك الجهود.

     نسأل الله لهم التوفيق والسداد والإعانة.

                        عبد الله بن أحمد الخضيري

                      معلم بوزارة الدينية والتعليم

                        بالمملكة العربية السعودية

أخوكم/ عبد المجيد سليمان الرويلي

ليلة   23/4/1434هـ

*  *  *

بمناسبة زيارتنا لجامعة «دارالعلوم» الإسلامية بديوبند، وما لاقيناه من حفاوةٍ وكرم ضيافة، فاضت القريحة بهذه الأبيات:

ليلة الثلاثاء والأربعاء: 22-23/4/1434هـ =

5-6/مارس 2013م

==========================

بسم الله الرحمن الرحيم

هَاتِ المدادَ وثَنِّ بالأوراقِ

واسقِ الجِنان قصيدةً يا ساقي

عَرِّجْ على أهل العلومِ بِدارِهمْ

كالغيثِ هُمْ في سَيبه المغداقِ

بِكْرٌ حَبَاهَا اللهُ حُسْنًا ساحرًا

قَرْناً ونصفاً في ذُرىٰ الأخلاقِ

رَمْزُ الكرامةِ والسماحةِ والنَّدىٰ

رَمْزُ الضيافة والهُدى الخفَّاقِ

«دارالعلوم» تَعَاظمتْ، وضياؤها

كالشمس في نورٍ وفي إشراقِ

«دارالعلوم» تزيَّنتْ في حُلَّةٍ

تُغري الشيوخ بحسنها الورَّاقِ

كَرَماً وعِلْمَ شريعةٍ بشيوخها

يَغْشىٰ الوهادَ وسائرَ الآفاقِ

صدقُ الحديثِ سبيلُهم، وبِسُنَّةٍ

فَضُلُوا على الأسيادِ والحُذَّاقِ

وتوارثوا مجدًا تليدًا باقياً

وكُسُوا لباسَ اللينِ والإرفاقِ

«دارالعلوم» تهلَّلي يا قلعةً

بالعِلْــم والإيمــانِ والميثاقِ

وَهَبِي بنيكِ النورَ في إتقانهم

سُبْلَ الهدى من ضوئكِ الورَّاقِ

يا دار علْمٍ فاهنيء بمزيَّةٍ

وفريدةٍ من ربِّكِ الرزَّاقِ

حُزْتِ المكارمَ منذ عهدٍ سالفٍ

فسبقتِ بالحُسنى وبالإنفاقِ

سارتْ بها الركبانُ في أرجائها

في الهندِ في مصرَ بلْ وعراقِ

هذي القصيدةُ قالها بتعجُّلٍ

صَبٌّ كما يُروىٰ عن العُشَّاقِ

ضَيْفٌ أتىٰ من دار الحبيب محمَّدٍ

يُصْلَىٰ بنار الحبِّ والأشواقِ

إنِّي وإنْ رصفُ القوافيَ خانني

فَلَحُبُّكُمْ باقٍ على الإطلاقِ

فَلَحُبُّكُمْ باقٍ على الإطلاقِ..

                   عبد المجيد سليمان الرويلي

                      مدرس التفسير والقراءات

                      في المسجد النبوي الشريف

                      22/4/1434هـ

*  *  *

جئتُكم زائرًا، والقصد من هذه الزيارة أن أتعرّف وأرى بأم عينيّ هذه الجامعة المباركة التي طالما سمعنا عنها وليس من رأى كمن سَمِعَ.

وإنه لمن الخسران الكبير أن يخرج أحد منا من هذه الجامعة ولم يُكْتَبْ له أجر.

خطاب فضيلة الشيخ الدكتور محمد أحمد الخضيري

نقله والخطابَ الآتي عن الشريط الأخ كفيل أحمد المدراسي

طالب بقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة

============================

     السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

     إخوتي في الله!

     إنّ الكلمات لتتلاطم في فمي، وإنّ التعبيرات لتَتَحَشْرَجُ في صدري وأنا أقف أمامكم، أمام طلبة العلم، أمام أهل الحديث، أمام أهل الفقه، أمام المقتدين بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين أحسبهم والله حسيبهم إنّما جاؤوا إلى هذا المكان ليكونوا ورثة الأنبياء؛ فإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهماً، وإنّما ورّثوا العلم؛ فمن أخذه، أخذ بحظّ وافر (جامع الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم الحديث: 2682؛ وأبوداود، كتاب العلم، باب الحثّ على طلب العلم، رقم الحديث: 3641؛ وأحمد في مسنده، ج:5، ص:196).

     إخوتي في الله!

     جئتكم زائرًا، وزيارة الأخ لأخيه مستحبّة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور» (الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في الحب في الله، رقم الحديث: 3390) وأشهد الله أني أحبّكم في الله، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا بكم تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلَّ إلاّ ظلُّه؛ لأنّ ممّن يظلّهم الله رجلين تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه.

     إخوتي في الله!

     وإن ابتعدت الأماكن ونَأَتْ بنا الدِّيار إلاّ أنّ بيننا رَحِمَ العلم، فالعلم رحم بين أهله، والدّين يجمعنا وأخوّة الإسلام تجمعنا؛ فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين وجعل هذه الأخوّة تربط بيننا على اختلاف أمصارنا وأقطارنا وبلداننا.

     جئتكم زائرًا، والقصد من هذه الزيارة أن أتعرّف وأرى بأمّ عينيّ هذه الجامعة المباركة، التي طالما سمعنا عنها، وليس من رأى كمن سمع، نعم، لقد تحقق هذا المثلُ العربيُّ هذه اللّيلة، «ليس من رأى كمن سمع»، أرى وجوهاً ناصعة، وأحسب أنّها تنَوّرَت بنور الإيمان، كيف لا تتنوّر بنور الإيمان؟ وهي تصبح وتمسي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهنيئًا لكم هذا المكان، وهنيئًا لكم هذا العلمُ، وهنيئًا لكم هذه الجامعة؛ ولكن أذكّر نفسي وأذكّركم بالإخلاص لله تعالى.

     إخوتي في الله! إنّه لمن الحَسْرة ومن الغمط ومن الخُسران العظيم أن يقضي الإنسان وقتاً طويلاً من عمره وساعات أيّامه وبين أهل العلم والصلاح والتُقى؛ ولكن لا يُكتب له أجر. لماذا؟ إنّها النيّة، إنّه القصد، إنّه الإخلاص، أوصي نفسي أوّلاً. ثمّ أوصيكم بأن نُخلص في عملنا وفي دراستنا وفيما أتينا إليه، واللهِ إنّه لَغَبَن عظيم، وخسارة كبيرة، أن يخرج الإنسانُ منّا من هذه الجامعة ولم يُكتب له أجر، أو ربّما كُتب عليه وِزر، لماذا؟ لأنّه قصد بدراسته وبحضوره وبجلوسه غيرَ وجه الله، إنّه من أَخْسَرِ الأمور أن يكون قلبُك متعلّقاً بغير الله؛ فلا تَنْوِ بطلب العلم مالاً، ولا تَنْوِ بطلب العلم جاهاً، ولا تَنْوِ بطلب العلم رئاسةً؛ لأنّ هذه كلَّها من أمور الدنيا، والعلم إنّما يُتَعَلّم لِيُبْتَغَىٰ به وجهُ الله. إنّما جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين، وبهذا العلم، وبهذا الهدي؛ لكي يُخرجنا من الظلمات إلى النور، يُخرج الكفار من الكفر إلى الإسلام، ويُخرج الجهّال من الجهل إلى العلم، ويُخرج الضالّين من الضلال إلى الهداية، فهذا هو مقصد العلم؛ فلا تَبْتَغِ بالعلم مقصدًا غيره. هذه هي النصائح التي أنصح نفسي وأنصحكم بها.

     إخوتي في الله! جئتكم من بَلَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك البلد المبارك، ذلك البلد العظيم الذي تَنَوَّرَ وتَبَارَكَ بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهجرته إليه؛ ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَحْصُرْ دعوتَه في مكان ولم يحصرها في زمان؛ بل كلُّ مسلم على وجه الأرض، فوق كلّ أرض أو تحت كل سماء يكون أقرب إلى الله وإلى رسوله، بحَسَبِ تمسّكه بهَدْيِه، وبِحَسَبِ اتّباعه لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     إخوتي في الله! إنّه يُوجد أشخاص في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم أبعدُ الناس عن هديه، فماذا نَفَعَهم ذلك المكان؟ بل وُجِدَ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين يسكنون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عنهم: «إنَّ الْـمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» (سورة النساء/145). قُرْبُ المكان لاينفع إذا لم يكن هناك إيمان، فربّما يوجد إنسان في أقصى الأرض، في شرقها، أو غربها، أو شمالها، أو جنوبها أقربُ إلى الله، وأصدقُ باتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أناس هم في مكّة أو المدينة.

     ولذا أقول يا إخوتي! أنتم في هذا المكان قد تكونون أقربَ إلى الله وأتْبَعَ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا تُفرِّطوا واستفيدوا من هذه الجامعة، هذه الجامعة العريقة، هذه الجامعة القويّة في مناهجها، هذه الجامعة المربّية. استفيدوا منها بقدرما تستطيعون، مع الإخلاص الذي أشرتُ إليه اٰنفاً.

     إخوتي في الله! إنّ فضل العلم كبيرٌ، وليس بغريبٍ عنكم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فضلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب» (جامع الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم الحديث:2682) ولا يخفى عليكم أيضاً أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من سَلَكَ طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنّة» (جامع الترمذي، كتاب العلم، باب فضل طلب علم، رقم الحديث:2646) ولا يخفى عليكم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وإنّ العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتانُ في الماء. وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع» (       ). الله أكبر! من يحصل على هذه الفضائل؟ من يتمكن من الحصول على هذه الفضائل إنْ لم يكن أمثالكم؟ فلا تُفسدوا العلمَ إخوتي، ولا تُفسدوا النيّة إخوتي!.

     إخوتي في الله! إنّكم تتحمّلون رسالةً عظيمةً «ورثة الأنبياء» هذه الرسالة التي قام بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أَخْرَجُوا الناس من الظلمات إلى النور، هذا هو عمل طالب العلم، لايكفي لطالب العلم أن يحفظ من الأحاديث وأن يحفظ من السُنّة، وأن يعرف كتب الفقه وكتب التفسير وما إلى ذلك، ثم لايكون له أثر على أهله، وأهل بيته، ومجتمعه، إذًا أصبح مُجرّدَ حافظٍ أو مجرّدَ ناقلٍ إذا لم يكن على خُطٰى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بَذَلَ نفسَه، وبَذَلَ مالَه، وبذل وقتَه، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. هذه هي رسالةُ طلبةِ العلم: «إخراج الناس من الظلمات إلى النّور»، لا يكتفي ولو واحد منّا - أقولها لنفسي قبل أن أقولها لكم - لا يكتفي الواحد منا أن يتعلم ثم لا يكون له أثر، ثم لايكون له تدريس، ثم لا يكون له نُصْح، ثم لا يكون له إرشاد؟ إذًا ما الفرق بينك وبين من لم يتعلّم، إذا لم يكن لك أثر على مجتمعك.

     أيّها الاخوة! إنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - غَيَّرَ مجتمع مكّة ومجتمع المدينة بسنواتٍ يسيرةٍ؛ لأنه نَذَرَ نفسَه وحياتَه لله. ونحن إذا سلكنا خُطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيتغيّر المجتمع من حولنا، سيتغير المجتمع المسلمُ البعيدُ عن هَدْيِ رسول الله وعن طاعة الله، سيعُود إلى الدين، وغيرُ المسلم سيُسلم. لماذا؟ لأن هذه رسالتنا: رسالتنا إخراج الناس من الظلمات إلى النور، والعلماء ورثة الأنبياء.

     فأوصيكم وأوصي نفسي بأن ننشر هذا العلمَ وأن نُعَلِّم الناسَ وأن نَرْفُق بالناس. قال الله تعالى عن نبيه «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعٰلَمِيْنَ» (سورة الحج/107) فليكن كلّنا هكذا، رحمةً للعالمين، نعلّم الناس، إذا رأينا إنساناً لا يُحسن الوضوءَ، نعلّمه الوضوءَ؛ إذا رأينا إنساناً لا يُحسن الصلاةَ، نعلّمه الصلاةَ؛ إذا رأينا إنساناً أخطأ في كلام أو في اعتقاد ونحو ذلك نعلمه، ولكن برحمةٍ وليس بغلظةٍ، وقد قال الله تعالى لنبيّه: «وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (سورة آل عمران/159).

     رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أُوتِيَ جوامعَ الكلم وأُعْطِيَ المعجزات، أمره الله سبحانه وتعالى أن يكون لَيِّناً في كلامه «أدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» (سورة النحل/125) فكيف بنا. نحن المذنبين المقصرين نستخدم الأسلوبَ الشديدَ، نستخدم الإنكارَ العنيفَ، أو نستخدم التخطئةَ، أو نستخدم التبديع أو التفسيق، للإنسان الذي أَخْطَأَ، ليس هذا عملَنا، عَمَلُنا أن نُرشده، أن نُوَجّهه، أن ننصحه، أن نَنْتَشِطَه من الخطَأ، وأن نُخرجه من الخَطأ الذي هو فيه إلى الحقّ الذي نَعْلَمُه.

     هذه هي رسالتنا، وهذه أمانة في أعناقنا جميعاً نقوم بها، لا ننساها أبدًا، ليس التعليم العلميّ يُشترط فيه أن يكون درساً أو محاضرةً أو حكمةً، هذا نوع من التعليم نعم، ولكن هناك أنواعاً أخرى؛ تعليم الجاهل، تعليم الصغير، تعليم الكبير، تعليم المرأة، تعليم الرجل. إذا علم المرأ أنّه يُريد أن ينشر الخيْرَ في الناس؛ فإنّه يستخدم أيَّ طريق، وأيّة وسيلة، في تعليم الناس.

     وهذه رسالتنا ولا أريد أن أطيل كثيرًا في هذا الأمر، فإنّ من الأمور المهمّة أن يكون لنا دور مُؤَثّر في الناس وفي المجتمع من حولنا.

     إخوتي في الله! يقول الله سبحانه وتعالى: «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْ بِالصَّبْرِ» (سورة العصر/3) لـمّا ذكر صفاتِ المومنين في سورة العصر، وأنّهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال: «وَتَوَاصَوْا بِالْـحَقِّ وَتَوَاصَوْ بِالصَّبْرِ» (سورة العصر/3). التواصي، ما معنى التواصي؟ هو التناصح والحثّ والتعاون وأن يُعين بعضُنا بعضاً، أن يُذَكِّر بعضُنا بعضاً، نتواصى بالحق، ما هو الحقّ؟ كلُّ ما جاء به كتابُ ربّنا وسنةُ رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو حقٌّ، نتواصى عليه، نتواصى على الصلاة والزّكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ ما جاءنا في ديننا فهو حقّ، نتواصى عليه، يُذَكِّر بعضُنا بعضاً، والأخ مراٰةٌ لأخيه ينصحه ويعينه، نتواصى بالحق، يُعين بعضنا بعضاً، يُشجّع بعضُنا بعضاً، يُذكّر بعضنا بعضاً، يحثّ بعضُنا بعضاً على الحق الذي في ديننا.

     «وتَوَاصَوْ بِالصَّبْر» أختم بهذه التي ختم بها ربُّنا في سورة العصر «وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» وما أدراك مالصبر؟ قال الله تعالى في الحديث القدسي أوقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربّه: «وإنّ الله ليُعطي على الصبر مالا يُعطي على غيره» وقال الله تعالى في حديث قدسي آخر عن الصيام: «كلُّ عمل ابن آدم له إلاّ الصوم؛ فإنّه لي وأنا أجزي به» (صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، رقم الحديث: 1894؛ وصحيح مسلم، كتاب الصوم، باب فضل الصيام، رقم الحديث: 1151) لأنّ الصوم مدارُه الصبرُ، الصبرُ من أهمّ الدواعي، ومن أهمّ الوسائل، ومن أهمّ الأشياء التي ينبغي أن يتحلّى بها طالبُ العلم. إذا طلبتَ العلم ودعوتَ إلى الله، فلا تظنّ أنّ الطريقَ سهلٌ، ولا تظنّ أنّ الأمر يسير؛ بل ستُوَاجِهُ العقباتِ، وستواجه الصعوباتِ، ستواجه أناساً يريدون أن يحاربوك، ستواجه أناساً يريدون أن يُثَبِّطُوْك، وستُواجِهُ المشاكلَ في الأموال، وستُواجه المشاكلَ من الأقارب، وستواجه المشاكلَ من الزوجة، كلُّ هذه الأمور تحتاج إلى الصبر، يقول الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم «وَاصْبِرْ ومَا صَبْرُك إِلاَّ بِالله» (النحل/127) ويقول الله تعالى: «إِنَّما يُوَفّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (سورة الزمر/10) الأعمالُ أعطى الله عليها أجورًا مُحَدَّدَة، إلاّ الصبرَ، فإنّ أجره مندوح، والله كريم، وكرم الله لا يُـحْصَىٰ.

     فمن صَبَرَ، وصابر، وجاهد نفسه، وتعب، فلا يُضِيّعه الله تبارك وتعالى، نحتاج - أيّها الإخوة!- أن نتحلّى بالصبر، نتذكر دائماً أنّنا طلبنا العلم وأن يكون طلبنا العلمَ لله، وأن ندعو إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نُعلّم هذا العلم لغيرنا وأن نصبر؛ فإنّ الصبر هو الوقود وهو الزاد الذي يكون مَعَنَا في دعوتنا إلى الله سبحانه وتعالى.

     إخوتي في الله! إنّما أنا زائر، أحبّ أن يقابل إخوته وأحبّ أن يشاركهم في هذا المحفل الكريم، في هذا الاجتماع العظيم، وفي هذا المكان العظيم، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جَمَعَنا في هذا المكان أن يجمعنا في جنّات النعيم، على سُرُرٍ متقابلين، اللّهم اجعلْ اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرُّقَنا من بعدي تفرّقاً معصوماً. ولا تجعل فينا ولا منّا ولا معنا شقيًّا ولا محروماً، واجعلنا هداةً مهتدين، نقول بالحق وبه نعمل، اللّهم اهْدِنا واهْدِ بنا واهْدِ لنا.

     اللهم صلّ وسلّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيرًا.

*  *  *

     أنتم ولله الحمد على الخير، عندكم العلم، ونحن قادمون إليكم مُتَشَوّقون إليكم وإلى هذا المكان المبارك وإلى هذا المحفل العلمي الذي يفرح به كلُّ مسلم.

كلمة فضيلة الشيخ عبد المجيد سليمان الرويلي

     الحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أسأل الله عزّ وجلّ أن يجمعنا وإيّاكم على خيرٍ في الدنيا والآخرة وأن يجمعنا وإيّاكم في جنات النعيم.

     أيّها الإخوة! أنا عندي بضاعة مزجاة، وليس عندي كما عند شيخي «الشيخ الفاضل الدّكتور محمد أحمد الخضيري» جزاه الله خيرًا، وإنّما أتيتُ معه زائرًا لكم ومحبًّا لكم، ولم أكن مستعدًّا للحديث بين يدي طلبة العلم ومشايخنا أكرمهم الله .

     وعندكم من الخير ومن العلم ما توصلونه لغيركم؛ ولكن كماجاء في الحديث الصحيح الذي صَحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصّة ذلك السارق الذي كان يسرق تمر الصدقة، تعرفونه هو الذي علّم أبا هريرة فضلَ آية الكرسي، وأنّها تحفظه من الشيطان، فقال أهل العلم في هذا الحديث: «ليس بالضرورة أن يكون المتحدّث والمتكلم خيرًا من المُتَلَقِّي»؛ فمن هذا يا إخوتي! أنا أدلي بدلوي، وأنتم ولله الحمد عندكم الخير، وعندكم العلم، واثبتوا على هذا، فنسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا وإيّاكم من الصالحين. أنتم على خير ونحن قادمون إليكم، متشوّقون أن نصل إلى هذا المكان المبارك، وإلى هذا المحفل العلمي، الذي يفرح به كلُّ مسلم، قال الله عزّ وجلّ «قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» (سورة يونس/57) تفرح بهذا، أَمَرَكَ اللهُ أن تفرح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو الإسلامُ والقرآن» تفرح بالإسلام، وتفرح بالقرآن، أن الله عزّ وجلّ اصطفانا وجعلنا من أتباع هذا الدين العظيم، أيّها الإخوة! ولكنَّ كثيرًا من أتباع هذا الدين يخدمون الدين؛ ولكن هناك من لم يخدموا الدين، فاسْأَلْ نفسك هذا السؤالَ: هل تخدم دينَك؟ أم أنّك تُصلي الصلوات، وتقوم بالواجبات وتجتنب المحرّمات، وهذا شيء طيّب؛ ولكن ماذا قدّمتَ لدينك؟ لابُدّ أن تُقَدّم لدينك، ولو شيئًا يسيرًا، وأنا لم أقف هذا الموقفَ، موقفَ العالم، أو موقفَ المُعَلِّم؛ وإنّما أقف موقفَ النّاصح لكم، والمحبِّ والمتشوق لكم. أيّها الإخوة الكرام!.

     عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيت الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم - وحبر القرآن وترجمان القرآن وصاحب رسول الله عليه السلام قال الإمام الذهبي عنه في السِّيَر: «كان وسيماً، قسيماً، جسيماً» (سير أعلام النبلاء، ج:3، ص:333، 336) أعطاه الله حُسنَ الصورة وحُسن الشكل، ومن السُّلالة الطاهرة من اٰل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وقبل هذا كلّه وأحسن من هذا أنّه من أهل العلم، وأنّه من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . كلّ هذه الفضائل ويتحدّث عن نفسه في صَبْره في طلب العلم، أنا لا أتحدّث مثل الشيخ شيخنا محمد أحمد الخضيري جزاه الله خيرًا وأجاد و أفاد، ولكن على سبيل السرعة وعلى سبيل الذكرى «فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْـمُؤْمِنِيْنَ» (سورة الذٰريات/55) نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا وإيّاكم منه.

     عبد الله بن عباس يقول: «كنت أذهب إلى بيت صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فآتي عنده وقتَ الظهيرة»، يقول: «كنتُ أقيل عند بابه» يعني يبيت عند باب هذا الصحابيّ، يقال إنّه زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال: فتُسْفِي عليّ الريح الترابَ، التُرابُ يأتي على وجه هذا الصحابي الجليل من أجل الصبر في طلب العلم وقت الحرّ، حرّ المدينة الذي قال عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - «من صَبَر على حرِّها وبردها ولاوائها كنتُ له شفيعاً يومَ القيامة» (صحيح مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لاوائها، رقم الحديث: 3377، 3378) حرّ المدينة شديد، ومع ذلك يأتي هذا الصحابي الجليل الفتى الغلام الشابّ اليافع، ولم يقل أنا من قرابة النبي – صلى الله عليه وسلم لا؛ بل يأتي وينام وقت الظهيرة عند باب هذا الصحابي الجليل فيفتح الباب يريد أن يذهب إلى المسجد، فيجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما نائماً عند باب بيته. فيقول: «يا ابن عم رسول الله! هَلاَّ أرسلت إليّ فآتَيك!! فيقول عبد الله بن عباس: «يا صاحبَ رسول الله! إنّ العلم يؤتى ولا يأتي» فيقوم هذا الصحابي الجليل ويُقَبِّل بين عينيْ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ويقول: هكذا أُمرنا أن نفعل بآل بيت نبيّنا – صلى الله عليه وسلم - فيُقبل يده عبد الله بن عباس ويقول: «هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا. (سير أعلام النبلاء بتغيير يسير، ج:3، ص:344).

     هذه محبّة وأخلاق وحرص على طلب العلم. أيها الإخوة الكرام! وأنتم تسمعون، أنتم من أتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم - تسمعون من يقول: أنتم أعداء آل البيت، هذا حرام، وهذا كلام لايجوز، انظروا إلى أنه كيف كان يتعامل الصحابة رضي الله عنهم مع أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

     إننا في الصلاة، في كل الصلاة نقول: اللّهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، عندما تعلّمنا منذ ستّ سنوات من أعمارنا أنّ هذا ركن من أركان الصلاة في مذهب الحنابلة، ركن من أركان الصلاة، الصلاة على نبيه وآله التي فرضها الله علينا أن نصلّي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يُصلّ على نبيه وآله في الصلاة، تفسد صلاتُه على قول كثير من أهل العلم، فنُحبّ أهل بيت رسولنا صلى الله عليه وسلم ونُجِلّهم ونترحّم عليهم، ونسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا وإيّاكم معهم.

     موقف ثانٍ وأختم به، يخرج النبيّ الكريم – صلى الله عليه وسلم - من مسجده الشريف عليه الصلاة والسلام ومعه صاحبه وحبيبه وأحبّ الناس إليه من الرجال. من هو؟ أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وثالثهم علي رضي الله عنه انظر! لا فرق بينهم، بين الصحابة وآل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فما يقول أهل الهواء وأهل البدعة: إنّ أهل السلف وأهل السنّة يُعادون أهل بيت النبي عداءً، غيرُ صحيح.

     فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق وثالثهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وهذه القصة أوردها الإمام الذّهبيّ في «سير أعلام النبلاء» وهو الإمام الحافظ والإمام المحقّق، فيقول: فيجدون الحَسَنَ بن عليّ رضي الله عنه سيِّدَ شباب أهل الجنّة، يلعب مع الغلمان في الشارع، فيأتي أبوبكر ويضمّه إلى صدره ويُقبّله ويقول: بأبي يُفدِّيه ويقول أنت خير من أبي، أبوبكر الصديق يقول في حقّ الحسن بن علي رضي الله عنه «بأبي شبيه بالنبيّ، ليس شبيهاً بعليّ» يقولها على سبيل الدعابة والظرافة؛ فيضحك عليّ رضي الله عنه، أيّ فخر خير من هذا؟! إنّه يشبّه ابنه الحسن بالنبي – صلى الله عليه وسلم - وهو من أشبه الناس برسول الله (سير أعلام النبلاء، ج:1، ص:249).

     وهذه الأخلاق وهذه المودّة وهذه المحبّة؛ يا إخوة ما جاءت إلاّ عن عقيدةٍ وإيمانٍ؟ فعلينا أيها الإخوة التعامل بالمودّة والرحمة بيننا، نسمع كثيرًا بين طلاب العلم التناحر والتنافر والعداوة، وهذا والله لايجوز، وأظنّ والله أعلم أنّه بحق طلاب العلم متأكِّدٌ أكثر من عوام المسلمين. لماذا؟ لأنّكم تحملون لواءَ الإسلام، وقد ذهبنا أنا والشيخ محمد أحمد، وسافرنا كثيرًا في بلاد المسلمين فوجدنا دائماً التنافر، وهذا يغضّ من دين الله عزّ وجل، احذر فلاناً، احذر فلاناً هذا لا يصحّ أيّها الإخوة، لاسيّما بأهل السنّة والجماعة، ونحن أحوج ما يكون إلى التضامن والتوادد والاتحاد، كما نحن ههنا في الجمع المبارك الذي يصقّل النفس، ويبعث في النفس السرور، ويجعل المسلم يفرح بما هداه الله عزّ وجلّ.

     إيّاك والتّناحر، والشيطان حريص على طالب العلم أن يُبعده عن هذا الخير العظيم، وأنتم تعرفون كلّ هذا الكلام؛ ولكن من باب التذكير، لابدّ أن تكون أمتُنا أمةً واحدةً، يقول الله عزّ وجلّ في سورة الأنبياء والمؤمنون «إنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» (سورة الأنبياء/ 92، المؤمنون/52) فكيف يأتي أناس يفرّقون بيننا، لا نسمح لأحد أن يفرّق بين أمتنا؛ فنحن أمة واحدة.

     سمعنا من مشايخنا جزاهم الله خيرًا عندما كنّا جالسين معهم أنّ في هذه الجامعة، الجامعة المباركة «دارالعلوم/ ديوبند» روح التجاذب والتآلم والتراحم. وهذا شيء حسن وشيء طيّب. وإذا عرفتم هذا، فاثبتوا عليه أيّها الإخوة، فهو بإذن الله يجعل الدين يرتفع ارتفاعاً بإذن الله تعالى، واجتنبوا كلَّ الاجتناب عن معاني التناحر؛ فإنّه قد نهى عنه النبيّ – صلى الله عليه وسلم - بقوله «الرفقُ ما كان في شيء إلاّ زانه وما نُزع عن شيء إلاّ شانه». (جامع الأحاديث الكبير للسيوطيّ، ج:4، ص: 436، رقم الحديث: 12649).

     وأختم أيها الإخوة! إنّنا ما اجتمعنا في هذا المكان المبارك إلاّ في المحبّة في الله عزّ وجلّ، وأنتم أيّها الإخوة ما اجتمعتم هناك طمعاً في المال أو في التجارة أو في اللّهو، ونحن ما أتيناكم إلاّ نسأل الله أن يجعل دافعنا المحبّة في الله سبحانه وتعالى، كما ذكّرنا شيخنا الشيخ محمد أحمد بالحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال «المتحابّون بجلال الله، اليوم أظلّهم في ظلّي أو تحتَ ظلّ عرشي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي» وبالحديث الآخر عن فقيه الأمّة معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «قال الله عزّ و جلّ: المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النّبيّون والشهداء» (جامع الترمذي، أبواب الزهد باب ما جاء في الحبّ في الله، رقم الحديث: 3390. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) فيا إخوة! المحبّة في الله يغبطك الأنبياء عليها؛ فلتكن محبّتك لله عزّ وجلّ، ولا يدفعك إلى هذا حظّ من حظوظ الدنيا.

     نسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإيّاكم على خير في الدنيا والآخرة.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الثانية – رجب 1434 هـ = أبريل - يونيو 2013م ، العدد : 6-7 ، السنة : 37